أبناء مصر
السبت 18 أكتوبر 2025 مـ 02:39 صـ 24 ربيع آخر 1447 هـ
حزب أبناء مصر
رئيس الحزب م. مدحت حسنين بركات
بندوة الحزب الناصري.. مدحت بركات: السيسي انتصر للدبلوماسية المصرية وأوقف نزيف الحرب في غزة بحكمة القائد مدحت بركات يهنئ محمد أبو العلا بتعيينه عضوًا بالشيوخ: اختيار مستحق لقيادة وطنية مخلصة علياء إيهاب تحصد فضية «200 فراشة» ببطولة بلغاريا الدولية.. «صور» ابتهال القباطي.. بصمة تشكيلية يمنية تحمل ملامح الوطن في ألوانها رحاب غزالة تحصل على الماجستير في الدراسات السياسية والاستراتيجية مدحت بركات: الالتزام بالموقف الوطني أهم من المقعد طلاب «فنون جميلة الزمالك» يناشدون الرئيس بالتدخل لوقف قرار نقلهم إلى مقر آخر تصدير شحنة غاز جديدة إلى إيطاليا من مجمع إدكو للغاز المسال وزير الإسكان ومحافظ أسيوط يتفقدان توسعات محطة مياه أبوتيج طيران الامارات يختار مجموعة APO للعلاقات العامة لتمثيله في أفريقيا عبد الرحمن الصلاحي يكتب: مصر تقود العالم نحو السلام.. والعروبة تنتصر صدور رواية «الضفة الشرقية للنهر» للدكتور أحمد عمران عن دار المعارف المصرية

قهوة بالحبهان

مروة الحمدي    مروة الحمدي

توجد بعض الكليشيهات في حياتنا، اعتدنا على تقبلها كما هي دون وعي أو تفكير، وقد حدث لي شخصياً موقف جعلني أعيد التفكير في مفهوم كلمة “مُتَعَلِم”، وهي المرتبطة في أذهاننا بخريج الجامعة أو الحاصل على الثانوية العامة.

كنت مسافرة إلى الإسكندرية بالقطار، وأنا من عاشقي السفر بالقطار، لأنه بالنسبة لي حالة من النشوى والسعادة، فما إن أصل إلى محطة القطار، حتى ينتابني إحساس السكينة منذ لحظة رؤية ساحة المحطة الفسيحة، وعمدانها الكبيرة، وأكشاك بيع التذاكر المزدحمة، ربما لأن هذا الجو يذكرني بأفلام الأبيض والأسود، التي كنا نرى فيها المجتمع المصري في حالة من الرقي و البساطة.

توجهت كعادتي للبحث عن أقرب بائع جرائد و كتب، فكنت أريد أن أكمل حالة  إندماج مشهد محطة القطار الذي أعيشه، بقراءة رواية جديدة أثناء تناولي فنجان من القهوة التركي المحوجة بالحبهان، التي أدمنت تناولها في كافيتريا المحطة، وأثناء عملية البحث عن بائع كتب و مجلات، رأيت شاباً في حوالي الـ17 من عمره، يضع  أمامه “فرشة كتب” على الأرض، وقد تم رصها بطريقة منظمة ومريحة للأعصاب، وبدأت أقلب بين الكتب لألتقط إحدى روايات بهاء طاهر، و رواية أخرى لأحمد مراد، ومجموعة قصص قصيرة لأحمد خالد توفيق.

وباغتني الشاب قائلاً: “هذه الرواية جميلة يا أستاذة”.. كانت رواية 1919 لأحمد مراد، في الحقيقة، أحسست أنه يقول لي هذا الكلام لمجرد تشجيعي على الشراء ليس أكثر كعادة البائعين، و لكنه فاجأني بنقده لأسلوب كتابة أحمد مراد، مما عكس أنه قرأ الرواية  بالفعل، بل تطرق في الحديث ليرشح لي أحد كتب د. لطيفة سالم، و هو كتاب “فاروق من الميلاد إلى الرحيل”، و يبدو أنني لم أستطع إخفاء دهشتي الشديدة من ثقافة الشاب، وأسلوب حواره الذي ينم عن وعي و سعة أفق، ولاحظ الشاب دهشتي ليبتسم قائلاً: “متستغربيش يا أستاذة، أنا صحيح على باب الله، ومدخلتش مدارس، لكن الحمدلله ربنا رزقني بنعمة القراية”!.

و ما إن دفعت له ثمن الكتب، حتى توجهت مسرعة إلى القطار، فقد حان موعده، وارتميت على مقعدي أقلب بين الكتب التي اشتريتها، ولا تزال تتردد في رأسي جملة الشاب “ربنا رزقني بنعمة القراية”.. ما أجمل هذه الجملة!.

وقد تحرك القطار وأنا لا أزال أسترجع حديث الشاب، و استعجبت كثيرًا، سبحان الله، عجيبة هذه الدنيا بمنطقها المعاكس، فهناك شباب من خريجي الجامعات لا يتحلون بربع ثقافة ووعي هذا الشاب، واستحضرت حينها حديثاً كنت قد سمعته من إمام الدعاة الشيخ الشعراوي، قال رحمه الله: “إن الله سبحانه وتعالى أحياناً يمسك عنا بعض النعم لكي يمنحنا نعماً أخرى نحن أشد حاجة إليها”.. فمثلاً هذا الشاب ربما إذا كان قد نشأ بين أحضان عائلة متيسرة الحال، والتحق بأفضل الجامعات، ربما كان انجرف وراء ملذات الحياة التافهة، ولكن نشأته في مجتمع بسيط، وإمكانيات مادية متواضعة، جعلته يثقف نفسه بنفسه، لكي يتسع أفقه، ويتغذى عقله، ويصبح قادراً على مواجهة الحياة، والتعايش معها.

ومع مقولة الشيخ الشعراوي، أستحضر مقولة الكاتب مصطفى صادق الرافعي: “إن الله لا يمسك عنا فضله إلا حين نطلب ما ليس لنا أو ما لسنا له”.. أترككم الآن لأكمل تناول قهوتي المفضلة بالحبهان!.